إن المؤمن إذا اكتشف ملكوت الشيء ، وانتقل من الفقه الظاهري إلى الفقه الباطني ، فمن الطبيعي أن يزداد تفاعله بذلك الأمر.. ورد عن علي (عليه السلام) : (لو يعلم المصلّي ما يغشاه من جلال الله ، ما سرّه أن يرفع رأسه من سجوده).. وعن الصادق (عليه السلام) : (إذا قام المصلي للصلاة نزلت عليه الرحمة من أعنان السماء إلى أعنان الأرض ، وحفت به الملائكة ، ونادته الملائكة .. وناداه ملك : لو علم المصلّي ما في الصّلاة ؛ ما انفتل).. أي ما ترك صلاته ، ولم يطق الخروج من المسجد ، ولا يرى في نفسه قدرة على أن يخرج من صلاته إلى حركة الحياة الدائبة.. إذن، المشكلة أننا محجوبون عن ملكوت العبادة ، ولهذا تمل.. كما نلاحظ على الحجاج لبيت الله الحرام ، حيث البعض منهم يعد الأيام لكي ينتهي من موسم الحج ، ويرجع إلى أهله ووطنه وشغله.. فهذا الإنسان لو انكشف له ملكوت الكعبة والمسجد الحرام وهذا المكان المبارك ، لما خرج من مكة إلا طرداً !.
فعلينا أن نتلمس ذلك الملكوت ، ويمكن ذلك إما عن طريق التأمل ، أو بمراجعة النصوص الشرعية الواردة من الكتاب والسنة.. وعندما نراجع النصوص المباركة بالنسبة للصيام ، نلاحظ أنها تفيد أن هنالك بعد آخر للصيام ، إن هذا البعد لا يرى بالعين المجردة ، ولكن يأتي النبي (صلى الله عليه واله) وكذلك أولاده المعصومون ؛ ليبين هذا الملكوت.. قال الصادق (عليه السلام) : (من صام يوماً في الحرّ فأصاب ظمأ ، وكل الله به ألف ملك يمسحون وجهه ويبشّرونه ، حتى إذا أفطر قال الله عزوجلّ : ما أطيب ريحك وروحك !.. يا ملائكتي ، اشهدوا أني قد غفرت له).. هذا الإنسان جالس على المائدة ، وهو قد صام في يوم كثر عطشه ، وهمه الطعام والشراب وشربة الماء ، ولكن الله عزوجل ينظر إلى ملكوته ، وهو لا يدري أنه محاط بهالة من نور الله عزوجل.. وفي حديث آخر عن رسول الله (صلى الله عليه واله) :(الصائم في عبادة الله ، وإن كان نائماً على فراشه ، ما لم يغتب مسلماً).. فملكوت الصوم متمثل بالنور ، ولكن الإنسان يغتاب ، وإذا بهذه الغيبة تبطل أثر ذلك الملكوت.
إذن، لو علمنا هذا الملكوت ، أولاً لحاولنا أن نبقي ذلك.. ومن المعلوم أن الإنسان المراقب لنفسه ، إذا ارتكب ذنبًا -جل من لا يسهو !.. ومن منا لم يخطئ ولا يرتكب الذنب- ؛ فإنه يحس بقبض وإدبار وضيق في النَفَس والنّفس ، إن هذه الأحاسيس تجعله لا يقدم على الحرام.. فالأمر لا يحتاج إلى أن ينذر نذراً ، ولا يحتاج إلى أن يقسم قسماً ، ولا يحتاج أن يعاهد الله تعالى عهداً ؛ هو عندما استشم هذه الريح المنتنة من الحرام ، فإنه تلقائياً لا يقترب من ذلك الأمر.. إذن، فائدة اكتشاف ملكوت العبادة -ومن العبادات الصوم- ، أن الإنسان يحاول أن لا يرتكب أمراً ، في ذلك الأمر إفساد لذلك الملكوت.
ويصل الإنسان المراقب إلى درجة من التكامل ، أنه يرى أن حتى بعض اللذائذ المباحة التي توافق المزاج ، يرى بأن هذه اللذة أيضاً قد تشكل حجاباً.. ما أجمل هذا النص عن الإمام الصادق (عليه السلام) -وقس على هذا الحديث أموراً كثيرة- يقول : كان الصادق (عليه السلام) إذا صام لا يشمّ الريحان ، فسألته عن ذلك فقال : أكره أن أخلط صومي بلذّةٍ.. ولعل من هذا الحديث علماؤنا أفتوا بكراهة شم الريحان في شهر رمضان المبارك.. الإمام الصادق (عليه السلام) يرى بأن هذا الملكوت ، قد تبطله هذه اللذة ، وإن كانت لذة مباحة..
من ملكوت الصيام : القرب إلى الله عزوجل.. كما أن الصلاة معراج المؤمن ، كأن الصلاة أداة ترفع الإنسان إلى الأجواء العليا ، كذلك الصوم له معراجية ، والدليل على معراجية الصوم هذا الحديث المعروف : (إنّ للصائم عند إفطاره دعوةً لا تُردّ).. ولهذا نقول للصائمين تريثوا قليلاً.. صحيح، أن الإنسان جائع وعطشان ومرهق ، ولكن هو صائم من الصباح إلى الليل ، فليتريث قليلاً ولو دقيقةً واحدة ، ولا يكتفي بالدعوات المأثور التقليدية : بأن يتمتم بسورة القدر ، واللهم لك صمنا... ، واللهم كن لوليك... ؛ إسقاطاً للتكليف.. بل من المناسب أن يتمهل ، ويستحضر حوائجه وبتوجه.. ولو كان لوحده ، فليحاول أن يطيل الحديث والمناجاة مع الرب.. فما أجمل أن تختلط دموع الصائم بالمناجاة مع شربة الماء ، في ساعة الإفطار !..
ومن المعلوم أن الملكوت أمر قد لا يطابق الظاهر ، والدليل على ذلك أن هذه المادة المنتنة التي تنتج من عدم الأكل والشرب في الفم ، هي عند الله تعالى أطيب من ريح المسك ؛ لأنه هو تعالى يعلم ملكوت هذا العمل.. قال النبي (صلى الله عليه واله) : قال الله تبارك وتعالى : (كلّ عمل ابن آدم هو له ، غير الصيام هو لي وأنا أجزي به ، والصيام جُنّة العبد المؤمن يوم القيامة ، كما يقي أحدكم سلاحه في الدنيا ، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله عزّ وجل من ريح المسك).
إذن، من خلال هذه السلسلة إن شاء الله تعالى ، نحاول أن نصل إلى معنى إجمالي لحقيقة الملكوت الذي أراه الله عزوجل إبراهيم الخليل (عليه السلام) : {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}.. هو الذي ينبغي أن يرينا.. وأي شهر وأية ليلة ، أفضل من هذه الليالي والأيام ، لنصل إلى ملكوت العبادات : صلاةً ، وصوماً ، وقراءةً لكتاب الله عزوجل.
فعلينا أن نتلمس ذلك الملكوت ، ويمكن ذلك إما عن طريق التأمل ، أو بمراجعة النصوص الشرعية الواردة من الكتاب والسنة.. وعندما نراجع النصوص المباركة بالنسبة للصيام ، نلاحظ أنها تفيد أن هنالك بعد آخر للصيام ، إن هذا البعد لا يرى بالعين المجردة ، ولكن يأتي النبي (صلى الله عليه واله) وكذلك أولاده المعصومون ؛ ليبين هذا الملكوت.. قال الصادق (عليه السلام) : (من صام يوماً في الحرّ فأصاب ظمأ ، وكل الله به ألف ملك يمسحون وجهه ويبشّرونه ، حتى إذا أفطر قال الله عزوجلّ : ما أطيب ريحك وروحك !.. يا ملائكتي ، اشهدوا أني قد غفرت له).. هذا الإنسان جالس على المائدة ، وهو قد صام في يوم كثر عطشه ، وهمه الطعام والشراب وشربة الماء ، ولكن الله عزوجل ينظر إلى ملكوته ، وهو لا يدري أنه محاط بهالة من نور الله عزوجل.. وفي حديث آخر عن رسول الله (صلى الله عليه واله) :(الصائم في عبادة الله ، وإن كان نائماً على فراشه ، ما لم يغتب مسلماً).. فملكوت الصوم متمثل بالنور ، ولكن الإنسان يغتاب ، وإذا بهذه الغيبة تبطل أثر ذلك الملكوت.
إذن، لو علمنا هذا الملكوت ، أولاً لحاولنا أن نبقي ذلك.. ومن المعلوم أن الإنسان المراقب لنفسه ، إذا ارتكب ذنبًا -جل من لا يسهو !.. ومن منا لم يخطئ ولا يرتكب الذنب- ؛ فإنه يحس بقبض وإدبار وضيق في النَفَس والنّفس ، إن هذه الأحاسيس تجعله لا يقدم على الحرام.. فالأمر لا يحتاج إلى أن ينذر نذراً ، ولا يحتاج إلى أن يقسم قسماً ، ولا يحتاج أن يعاهد الله تعالى عهداً ؛ هو عندما استشم هذه الريح المنتنة من الحرام ، فإنه تلقائياً لا يقترب من ذلك الأمر.. إذن، فائدة اكتشاف ملكوت العبادة -ومن العبادات الصوم- ، أن الإنسان يحاول أن لا يرتكب أمراً ، في ذلك الأمر إفساد لذلك الملكوت.
ويصل الإنسان المراقب إلى درجة من التكامل ، أنه يرى أن حتى بعض اللذائذ المباحة التي توافق المزاج ، يرى بأن هذه اللذة أيضاً قد تشكل حجاباً.. ما أجمل هذا النص عن الإمام الصادق (عليه السلام) -وقس على هذا الحديث أموراً كثيرة- يقول : كان الصادق (عليه السلام) إذا صام لا يشمّ الريحان ، فسألته عن ذلك فقال : أكره أن أخلط صومي بلذّةٍ.. ولعل من هذا الحديث علماؤنا أفتوا بكراهة شم الريحان في شهر رمضان المبارك.. الإمام الصادق (عليه السلام) يرى بأن هذا الملكوت ، قد تبطله هذه اللذة ، وإن كانت لذة مباحة..
من ملكوت الصيام : القرب إلى الله عزوجل.. كما أن الصلاة معراج المؤمن ، كأن الصلاة أداة ترفع الإنسان إلى الأجواء العليا ، كذلك الصوم له معراجية ، والدليل على معراجية الصوم هذا الحديث المعروف : (إنّ للصائم عند إفطاره دعوةً لا تُردّ).. ولهذا نقول للصائمين تريثوا قليلاً.. صحيح، أن الإنسان جائع وعطشان ومرهق ، ولكن هو صائم من الصباح إلى الليل ، فليتريث قليلاً ولو دقيقةً واحدة ، ولا يكتفي بالدعوات المأثور التقليدية : بأن يتمتم بسورة القدر ، واللهم لك صمنا... ، واللهم كن لوليك... ؛ إسقاطاً للتكليف.. بل من المناسب أن يتمهل ، ويستحضر حوائجه وبتوجه.. ولو كان لوحده ، فليحاول أن يطيل الحديث والمناجاة مع الرب.. فما أجمل أن تختلط دموع الصائم بالمناجاة مع شربة الماء ، في ساعة الإفطار !..
ومن المعلوم أن الملكوت أمر قد لا يطابق الظاهر ، والدليل على ذلك أن هذه المادة المنتنة التي تنتج من عدم الأكل والشرب في الفم ، هي عند الله تعالى أطيب من ريح المسك ؛ لأنه هو تعالى يعلم ملكوت هذا العمل.. قال النبي (صلى الله عليه واله) : قال الله تبارك وتعالى : (كلّ عمل ابن آدم هو له ، غير الصيام هو لي وأنا أجزي به ، والصيام جُنّة العبد المؤمن يوم القيامة ، كما يقي أحدكم سلاحه في الدنيا ، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله عزّ وجل من ريح المسك).
إذن، من خلال هذه السلسلة إن شاء الله تعالى ، نحاول أن نصل إلى معنى إجمالي لحقيقة الملكوت الذي أراه الله عزوجل إبراهيم الخليل (عليه السلام) : {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}.. هو الذي ينبغي أن يرينا.. وأي شهر وأية ليلة ، أفضل من هذه الليالي والأيام ، لنصل إلى ملكوت العبادات : صلاةً ، وصوماً ، وقراءةً لكتاب الله عزوجل.